كان الزمان حينها أهدأ، والقلوب أنقى، والحياة أبسط بكثير مما نعرفه اليوم. لم تكن السرعة قد اجتاحت الأيام، ولم تكن التكنولوجيا قد سحقت البساطة من تفاصيلها. كانت الأمور تُقاس بالقيم، واللحظات تُقدر بالمحبة، والابتسامة كانت رسالة صادقة تُسكن القلوب دفئًا.
في تلك الأيام، لم يكن الإنسان مضطرًا للهرب من نفسه أو من الآخرين. كانت العلاقات أعمق، والأخوة والمحبة لا تحتاج إلى إثبات، وكان للوفاء معنى أكبر من أي وعد مكتوب على الورق. الصدق كان يملأ البيوت كما يملأ الفجر السماء، والقلوب لم تحمل غلًا، بل كانت نابضة بالود والاحترام.
حتى البساطة كانت حاضرة في كل شيء: في اللعب، في الطعام، في التجمعات، في القصص التي تحكى عند المساء. لم تكن الحياة مزحمة بالضوضاء، ولم تكن الابتسامة مرهونة بالربح أو المنفعة. كان لكل لحظة طعمها الخاص، ولكل صباح بهجته التي لم تُلوثها سرعة الحياة ولا ضغوطها.
لكن الزمن مضى، ومعه تغيرت الوجوه، وتبدلت القيم، وأصبحنا نركض خلف الحياة بدل أن نعيشها. رغم ذلك، تبقى ذكريات تلك الأيام مدرسةً للروح، تذكرنا بأن البساطة نقاء، وأن القلوب الصافية كنزٌ لا يفنى.
يمكننا، حتى في زمن التعقيد، أن نستعيد شيئًا من تلك الصفاء: بأن نكون صادقين، بأن نقدّر اللحظة، وأن نزرع البساطة في تصرفاتنا اليومية. فالزمن قد مضى، لكن ما تركه في قلوبنا من جمال، يظل مرجعًا للإنسانية والحياة الراقية.
في النهاية، الزمن الذي مضى ليس مجرد أيام، بل دروس خفية عن الحب، الصدق، البساطة، والصفاء. وهو يذكرنا دائمًا أن نعيش الحاضر ببساطة، ونحافظ على نقاء قلوبنا، لنكون كما كنا، أو ربما أفضل.
بقلم: عطر الزمان / يوسف المعولي