يبدو للإنسان المعاصر أن الحياة لم تعد بحاجة إلى الفلسفة. نحن في زمن العلم والاكتشاف، زمن الإنتاج والإبداع، زمن القفزات الكبرى في كل المجالات. يخيّل إلينا أن التأمل العميق، والبحث عن الصفاء الروحي، وطرح الأسئلة الوجودية لم يعد له مكان في عالم يركض بلا توقف.
لكن المفارقة أن هذا العصر، بما يحمله من تسارع وتنافس وتدفق للملذات، هو أحوج ما يكون إلى الفلسفة. وسط كل هذا الازدحام، يغيب عن الإنسان جوهر الحياة، تضيع القيمة، ويُنسى المعنى. اتسعت فجوة الاغتراب؛ اغتراب العالم عن الإنسان واغتراب الإنسان عن ذاته.
نعيش اليوم حالة اندفاع عنيف نحو "اللاوجهة"، حيث لا يعيش الفرد الحياة بعمق، بل يكتفي بملامسة سطحها، بلمس الأشياء دون الدخول في جوهرها. كل ذلك يحدث في حالة من العمى غير المدرك، حيث تُستبدل النوازع الإنسانية التي توحد الأرواح بالقسوة والشهوة والأنانية الفجّة.
الفلسفة إذًا ليست ترفًا، بل ضرورة. هي التي تعيد للعقل إنسانيته، وتذكّر الروح أن تعيش لا أن تركض فقط. الفلسفة توقظنا على معنى الحياة، تضعنا أمام الأسئلة التي يهرب منها الجميع، وتمنحنا القدرة على أن نجد في تفاصيل صغيرة ما لا تراه الحشود.
إن الفلسفة ليست نقيض العلم ولا الإنتاج ولا الإبداع، بل هي ميزان يضع كل ذلك في مكانه الصحيح. إنها بوصلة تعيد للإنسان اتجاهه، حتى لا يغرق في بحر الإنجازات المادية وينسى أن الحياة، في جوهرها، معنى قبل أن تكون أرقامًا وإنجازات.
بقلم: عطر الزمان / يوسف المعولي