في رحاب هذا الوجود المتعدد، يقف كل إنسان خلف سياج روحه الخاص، واقيه من عبث العابرين. سياجٌ نُسج بخيوط الاختيار، وحُرِست أبوابه بأقفال العواقب الشخصية. لكل منا فضاءٌ مقدس، حيث تنمو أزاهير القرارات الفردية، وتُحاك خيبات الأمل الخاصة، وتُقام أفراح الانتصارات الصامتة.
وما أوهن ذلك الجدار عندما تمدّ إليه النظرة الفضولية يدها، تتحسس ثغراته لا بدافع العون، بل برغبة خفية في إعادة الترتيب والتشكيل. إنها الروح التي تتضخم بذاتها، ترى في حياة الآخرين مادة خامًا تنتظر لمستها "الأصح" وتقديرها "الأحكم".
التدخل في شؤون الغير ليس مجرد إبداء رأي عابر، بل هو محاولة لسلب ملكية التجربة. هو تجريد الآخر من شرف الصراع، وحقه الأصيل في الفشل أو النجاح بشروطه الخاصة. إنها نزعة استعمارية خفية تُمارس على الخيارات الشخصية، محاولة لزرع بوصلة خارجية في سفينة تُبحر بخرائط القلب.
كم من قرارٍ صائب في جوهره، عُطّل لأنه مرّ بمرشحات "ماذا سيقول الناس؟" و "هل يوافق تدخّلهم؟" يصبح العيش حينها استعراضًا، والمسار رحلةً تخضع لتصويت الحضور.
دعوا النفوس تسكن في حصونها. فلنحترم الأسوار التي لا نراها، تلك التي شيدها الألم والأمل. ولنتعلم أن أعظم صور المودة هي في أن نكون شاهدين محبين لا قضاة متطفلين. فلكل حديقة سرّ عطرها، ولكل سماء غيمها الخاص الذي يُراد له أن يمطر. وحدها المسافة اللائقة هي التي تحفظ لجمال الوجود تنوعه، وللكرامة الإنسانية استقلالها.
بقلم: عطر الزمان / يوسف المعولي
----
اشترك الآن في قناة عطر الزمان على واتساب،
وكن قريبًا من الإلهام اليومي الذي يترك أثره في قلبك قبل يومك.
https://whatsapp.com/channel/0029Vb6EKDS1CYoOdAgXmL23