كان هناك أختان تعيشان مع والدهما الكبير في السن في كوخ صغير على أطراف القرية.
كان والدهما فقيرًا جدًا، بالكاد يجد ما يسدّ به جوعهم يومًا بعد يوم. ومع ذلك، كانت البنتان جميلتين بشكلٍ يخطف الأنظار، حتى صار أهل القرية يتحدثون عن جمالهما في كل مجلس.
لكن الجمال لم يمنحهما رغد العيش، بل زاد ابتلاءهما، فقد كانتا تُخفيان فقرهما خلف ابتسامةٍ صامتة، وحياءٍ نبيلٍ لا يشكو.
كل صباح، كانت الأخت الكبرى سلمى تذهب إلى النهر لتغسل الملابس، بينما الصغيرة هالة تخبز لأبيها ما تبقّى من دقيقٍ متكتل.
وحين يسألهم والدهم بحزن:
"هل أرهقكم الفقر يا بناتي؟"
كانت سلمى تبتسم وتقول:
"الفقر يا أبي ليس في الجيوب، بل في القلوب، وقلوبنا عامرة بالرضا."
وذات يومٍ، مرّ رجل غريب من القرية، تاجر من المدينة، جلس ليستظلّ بجوار كوخهم. سمع ترتيل الأختين وهما تعملان، فانبهر ليس بجمال وجهيهما، بل بجمال روحهما ونقاء قلبيهما.
اقترب منهما وسأل:
"كيف تعيشان بهذه القناعة رغم هذا الفقر؟"
أجابت هالة:
"من يملك الرضا، لا يخشى الفقر. فالذي يرزق الطير، لن ينسى البشر."
تأثر الرجل بكلامها، وترك عند الباب كيسًا صغيرًا دون أن يعرفن، فيه ذهب يكفيهن سنين طويلة.
وعندما وجدنه، ركعت سلمى على الأرض تبكي وتقول:
"سبحان من لا يخذل من أحسن الظن به."
لم يكن الذهب هو المعجزة، بل كانت النية الصافية التي جمعت بين قلبين مؤمنين ووالدٍ صابر، ففتح الله لهم باب الرزق من حيث لا يحتسبون.
ومنذ ذلك اليوم، صار الكوخ المتهالك بيتًا عامرًا بالخير، وصار حديث القرية عن جمال الرضا لا جمال الوجوه.
بقلم: عطر الزمان / يوسف المعولي