في صباحٍ ساكنٍ من أيام الريف، كان الشيخ ناصر يسير مع تلميذه حمزة بين الحقول، يتحدثان عن الصبر والإيمان، وعن سرّ السعادة الحقيقية التي لا تُشترى بالمال.
وبينما كانا يسيران، لمح حمزة حذاءً باليًا عند أطراف الحقل. قال بابتسامة ماكرة:
"يا شيخي، يبدو أن هذا الحذاء لرجل فقير يعمل في الأرض. ما رأيك أن نخبئه، ونراقب ردّة فعله حين لا يجده؟ سيكون مشهدًا طريفًا!"
ابتسم الشيخ ناصر بهدوء وقال:
"يا بني، لن نجعل من فقر الناس تسلية لنا. ولكن، ما رأيك أن نجعل من الموقف درسًا في الرحمة؟"
ثم أخرج الشيخ من جيبه بضع عملات فضية، ووضعها داخل الحذاء القديم، وأشار لتلميذه أن يختبئا خلف الشجرة القريبة.
بعد دقائق، أقبل الرجل الفقير، وجهه متعب، وملابسه ملطخة بالتراب، يجر قدميه بتعبٍ واضح.
مدّ يده إلى الحذاء، فلما أدخل قدمه شعر بشيءٍ داخله، أخرجه، وإذا هي العملات اللامعة.
تجمد في مكانه، نظر إلى السماء، ثم جلس على الأرض يبكي، ويرفع يديه داعيًا:
"اللهم من وضع هذا المال في حذائي، جازه عني خير الجزاء، فقد كنتُ لا أملك ما أطعم به أطفالي اليوم."
حينها التفت الشيخ إلى تلميذه وقال:
"يا بني، أردتَ أن تضحك للحظة، فاخترتُ أن نجعلها سببًا لسعادة إنسانٍ ليومٍ كامل… بل ربما لعمرٍ كامل. تذكّر دائمًا، أن الفرح الحقيقي هو حين تزرعه في قلب غيرك."
ساد الصمت، ولم يجد حمزة ما يقوله. لكنّ تلك الدموع التي ملأت عينيه كانت أبلغ من كل الكلام.
ومنذ ذلك اليوم، صار حمزة يردد دائمًا:
"كل خطوة خيرٍ، هي أثر لا يُمحى في طريق الحياة."
بقلم: عطر الزمان / يوسف المعولي