في بيتٍ صغيرٍ على أطراف القرية، كانت مريم تعيش مع إخوتها الثلاثة بعد رحيل والديهم في حادثٍ مؤلم. لم يتجاوز عمرها الثامنة عشرة، لكنها كانت أكبرهم، فاختارت أن تكون لهم كلَّ شيء…
في تلك الليلة التي خيّم فيها الحزن على البيت، وقفت مريم عند رؤوس إخوتها النائمين، ومسحت على رؤوسهم وقالت لنفسها بصوتٍ مبحوح:
"سأكون لهم أمًّا كما كانت أمي، وسأصبر كما كان يصبر أبي."
مرت الأيام ثقيلة، لكنها لم تتراجع. كانت تستيقظ قبل الفجر، تُعدّ الطعام، وتغسل ملابسهم، وترافقهم إلى المدرسة، وتعود لتعمل في الخياطة حتى منتصف الليل. كلما شعرت بالتعب، تذكّرت ابتسامة أمها، وكأنها تقول لها: “اثبتي يا ابنتي، فالله لا يضيع من أحسن النية.”
كبر إخوتها وهم يرون في مريم مثال القدوة والحنان. لم ترفع صوتها يومًا، ولم تشتكِ قسوة الحياة. بل كانت دائمًا تردد:
"من احتسب لله، أعانه الله على ما لا يُحتمل."
وذات مساء، بعد سنوات من الصبر، جلس أصغر إخوتها عند قدميها وقال لها:
"أختي مريم… نحن ما عرفنا معنى اليُتم، لأنكِ كنتِ لنا كلّ الحنان."
حينها فقط، دمعت عيناها. شعرت أن الله جبر خاطرها كما جبرت خواطرهم.
فقد كانت مثالًا حيًّا أن الأنثى الصالحة لا تُقاس بعمرها، بل بعظمة قلبها.
بقلم: عطر الزمان / يوسف المعولي