في زقاق ضيق من أزقة المدينة القديمة، كان يجلس سالم على رصيف صغير، يتأمل الناس وهم يمرون بسرعة دون أن يلقوا عليه نظرة، وكأن العالم قد نسيه تمامًا. قلبه مثقل بالحزن، بعد يوم طويل من الخيبات والخيانات الصغيرة التي تترك أثرها في النفس.

مرت بجانبه فاطمة، فتاة تحمل في عينيها لمحة من الحزن الخفي، لكنها لم تخفِ ابتسامتها. توقفت قليلاً أمام سالم، وسألته:
"هل أنت بخير؟"

نظر إليها سالم بدهشة، لم يعتد أحد أن يسأل عن حاله بهذه البساطة. مجرد سؤال صغير، لكنه أثر فيه أكثر من أي كلمة طيبة سمعها منذ أسابيع.

أجابت فاطمة بابتسامة دافئة:
"أحيانًا يحتاج الإنسان إلى أن يعرف أن هناك من يهتم لأمره، حتى لو كان مجرد سؤال صغير."

جلسا معًا على الرصيف، بدأ سالم يفتح قلبه، يحكي عن أيامه الصعبة، عن الوحدة التي تلتصق به، وعن الألم الذي أصبح رفيقه الدائم. لم تقاطعه، لم تحكم عليه، فقط استمعت.

حين انتهى من حديثه، مدت فاطمة يدها، وقالت:
"أتمنى أن تعرف شيئًا، أن هناك دائمًا من يقدّرك، من يريد أن يخفف عنك الألم، حتى لو بالكلمة أو بابتسامة صغيرة."

في تلك اللحظة، شعر سالم بأن عبئه قد خفّ قليلاً. لم يكن الحل لمشكلاته كلها، لكنه أدرك قوة جبر الخواطر، قوة الكلمة الطيبة والاهتمام البسيط الذي قد يغير حياة شخص كامل.

أصبحت تلك اللحظة بداية تحول في حياة سالم، بدأ هو أيضًا يمارس جبر خواطر الآخرين، لا يمر يوم دون أن يرسل رسالة طيبة، أو يبتسم لمن حوله، أو يعقد لسانه عن كلمة قد تسعد قلبًا مثقلًا. ومع مرور الأيام، اكتشف أن جبر خواطر الآخرين لا ينفعهم فقط، بل يخفف آلام قلبه أيضًا.

وهكذا، في زقاق صغير من أزقة المدينة القديمة، تعلم سالم أن القلوب، مهما كانت محطمة، يمكن أن تشفى بكلمة واحدة صادقة، بابتسامة واحدة، ولمسة صغيرة من الاهتمام.

بقلم: عطر الزمان / يوسف المعولي