من طنجة انطلقتُ، وعلى طول الطريق، كانت المدينة تتودّعني بألوانها المتغيرة بين الأزرق المتوسط والأبيض المتلألئ لأسطح البيوت. البحر يهمس أسراره، والريح تحمل رائحة الملح والحرية، بينما الشمس تتسلل بخفة بين السحاب لتزرع ضوءها على الطرقات الملتوية.

كل كيلومتر نحو الرباط كان يحمل معه سؤالًا: ما الذي سأجده هناك؟ ما الذي سأتركه خلفي؟ كانت الطرق تمر بين جبال خضراء، ووديان صامتة، وأحياء صغيرة تتلوى بين الحقول، كأنها تهمس لي أن الرحلة ليست فقط انتقالًا في المكان، بل مسارًا داخل النفس.

وصلت الرباط في المساء، فاستقبلتني أضواء المدينة كابتسامة تنتظر زائرًا مشتاقًا، ونسمات البحر العليل تحمل وعدًا ببدايات جديدة. كل ما رأيته لم يكن مجرد معالم، بل لحظات عابرة من التفكير والتأمل: كل مدينة، كل رحلة، تحمل فرصة لإعادة ترتيب الروح، لمراجعة الذات، ولإدراك أن الطريق بين نقطتين ليس مجرد مسافة، بل تجربة تُصنع في القلب قبل أن تُسجّل في الأقدام.

في النهاية، الرحلة من طنجة إلى الرباط لم تكن مجرد عبور للأرض، بل عبور للوقت، للأفكار، وللذكريات التي ترافق كل مسافر يعرف قيمة الطريق قبل الوصول.

قلم: عطر الزمان / يوسف المعولي